البيت الأبيض يدرس بودابست كمسرح محتمل لقمة سلام تجمع ترامب وبوتين وزيلينسكي
تتحرك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلف الكواليس نحو عقد قمة ثلاثية بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا في العاصمة المجرية بودابست، في خطوة قد تمثل بداية لمسار جديد يهدف إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وفق ما كشفه مسؤول في البيت الأبيض ومصدر مقرب من الإدارة.
وبحسب المصادر، فإن أجهزة الخدمة السرية الأميركية بدأت بالفعل الاستطلاع الميداني في بودابست، وسط حديث عن احتمالات تغيير المكان إذا تطلبت الظروف ذلك. وقد امتنعت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت عن تأكيد أو نفي الموقع، مكتفية بالقول في مؤتمر صحفي: “لن أؤكد أو أنفي المواقع”، لكنها أشارت إلى أن الرئيس ترامب تحدث مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي حول الاجتماع المحتمل.
خيارات متباينة وضغوط متزايدة
المجر برئاسة فيكتور أوربان، الحليف المقرب لترامب منذ ولايته الأولى، تبدو الخيار المفضل للإدارة الأميركية. غير أن بوتين أعرب عن رغبته في أن تكون موسكو مكان اللقاء، فيما اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مدينة جنيف، حيث عرضت سويسرا منح بوتين “حصانة” خاصة إذا وقع الاختيار عليها.
بالنسبة لأوكرانيا، يبقى خيار بودابست حساسًا، إذ يعيد إلى الأذهان مذكرة بودابست لعام 1994 التي ضمنت استقلال كييف مقابل تخليها عن ترسانتها النووية، وهي مذكرة اعتبر كثيرون أن روسيا انتهكتها حين اجتاحت القرم عام 2014، فيما فشلت واشنطن ولندن في تقديم الدعم العسكري الموعود.
تباين روسي-أوروبي
رغم تأكيد البيت الأبيض أن بوتين وافق مبدئيًا على لقاء زيلينسكي، فإن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أوحت ببرود واضح. إذ قال في مقابلة تلفزيونية إن موسكو لا تمانع محادثات مع أوكرانيا، لكنها تصر على “عملية تدريجية خطوة بخطوة” تبدأ من مستوى الخبراء وتنتهي بلقاء القادة.
في المقابل، أبدى المستشار الألماني فريدريش ميرز تفاؤلاً حذرًا عقب لقائه ترامب وزيلينسكي في واشنطن، مشيرًا إلى إمكانية عقد محادثات متابعة خلال أسابيع. وكان ترامب قد أعلن عبر منصاته أنه سينضم إلى اللقاء المرتقب بين بوتين وزيلينسكي، واصفًا ذلك بأنه “خطوة أخيرة نحو السلام”.
اجتماعات عسكرية موازية
بالتوازي مع التحضيرات الدبلوماسية، ينخرط حلفاء واشنطن الأوروبيون في مشاورات أمنية متسارعة. إذ من المقرر أن يستضيف رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين نظراءه من ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وفنلندا وإيطاليا لمناقشة “الضمانات الأمنية وآليات تنفيذها”، بحسب مسؤول دفاعي.
كما سيعقد قادة دفاع الدول الأعضاء في الناتو (32 دولة) اجتماعًا افتراضيًا الأربعاء، يشارك فيه القائد الجديد للقوات الأميركية في أوروبا الجنرال أليكسوس غرينكويش.
ويشير دبلوماسيون أوروبيون إلى أن هذه الاجتماعات العاجلة تسلط الضوء على حجم التحديات أمام الحلفاء، سواء لجهة التفكير في إرسال قوة لحفظ السلام إلى أوكرانيا أو زيادة مشتريات الأسلحة الأميركية لتعزيز دفاعات كييف.
تعقيدات ومخاوف
دبلوماسي أوروبي بارز قال لموقع بوليتيكو إن مجرد تأكيد واشنطن التزامها بدور مباشر في الضمانات الأمنية يُعد تطورًا إيجابيًا. لكنه أضاف أن “صعوبة الخيارات المطروحة تجعل من الصعب معرفة مدى استعداد الحلفاء للمضي قدمًا”.
ويبدو ترامب مصممًا على المضي قدمًا رغم التعقيدات، إذ كتب في منشور: “لا يوجد شيء معقد للغاية… السلام ممكن”، غير أن دبلوماسيين أوروبيين حذروا من أن “الأمور لن تصبح أسهل من الآن فصاعدًا”.
بين الأمل والواقع
مع اقتراب موعد هذه القمة غير المؤكدة بعد، يجد الأوروبيون أنفسهم أمام اختبار صعب: هل يمكن تحويل زخم المشاورات إلى مسار تفاوضي فعلي يوقف النزاع؟ أم أن الخلافات حول مكان اللقاء وشروطه ستُبقي الملف الأوكراني مفتوحًا على مزيد من التصعيد؟
حتى اللحظة، لا إجابة واضحة. لكن ما بات مؤكدًا هو أن بودابست، المدينة التي حملت اسمها مذكرة خذلت أوكرانيا في الماضي، قد تصبح مسرحًا لمحادثات سلام جديدة ترسم مستقبل الحرب الأكثر دموية في أوروبا منذ عقود.