واشنطن تُخفّض التزاماتها: البنتاغون يترك عبء ضمان أمن أوكرانيا على أوروبا
كشف مسؤول سياسي رفيع في البنتاغون أن الولايات المتحدة تعتزم لعب دور محدود للغاية في أي ترتيبات أمنية خاصة بأوكرانيا، في إشارة واضحة إلى أن أوروبا ستُترك لتتحمل العبء الأكبر من مهمة حفظ السلام بعد الحرب. هذا الموقف جاء خلال اجتماع مغلق ضم مسؤولين عسكريين أمريكيين وأوروبيين في واشنطن، برئاسة رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين.
المداولات، التي سرّبت تفاصيلها لـ”بوليتيكو”، أثارت قلقًا متزايدًا بين عواصم الحلف الأطلسي، إذ يخشى كثيرون أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدفع باتجاه تقليص الدور الأمريكي إلى مجرد دعم جوي أو لوجستي، بينما ستُترك القوات الأوروبية لتتحمل المخاطر على الأرض.
كولبي ورسائل متشددة
إلبريدج كولبي، وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسات، كان الصوت الأبرز في الاجتماع. وبحسب مصادر مطلعة، أوضح كولبي أن التزامات واشنطن ستكون رمزية، وحث الأوروبيين على رفع مساهماتهم العسكرية والمالية لدعم كييف.
هذا الموقف لم يفاجئ الكثيرين داخل الناتو؛ فكولبي لطالما دعا إلى تقليل الاعتماد الأوروبي على المظلة الأمريكية والتركيز على ردع الصين في المحيط الهادئ. غير أن حضوره في هذه المفاوضات يُعتبر إشارة إلى أن إدارة ترامب تتحرك فعليًا نحو صياغة معادلة جديدة للأمن الأوروبي.
حلفاء مرتبكون وضغط متزايد
القادة العسكريون من بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، وفنلندا استغلوا اللقاء لسؤال واشنطن عن حجم القوات والدعم الجوي المتوقع، لكن الرد جاء غامضًا. أحد الدبلوماسيين في الناتو لخّص المشهد بالقول: “الولايات المتحدة ليست ملتزمة بالكامل بأي شيء… أوروبا هي من ستنفذ ذلك على أرض الواقع”.
وفي الوقت الذي أعلن فيه ترامب استعداده مطلع الأسبوع لإرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا، عاد وتراجع بعد 24 ساعة، ملمحًا فقط إلى إمكانية توفير غطاء جوي للقوات الأوروبية. هذا التذبذب عزز المخاوف الأوروبية من أن واشنطن تسعى لتقليص دورها، تاركة القارة العجوز أمام استحقاق أمني ضخم ومكلف.
تحديات حفظ السلام وسباق التسلح
الاجتماعات الأخيرة تأتي في أعقاب قمة البيت الأبيض التي جمعت ترامب مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وزعماء أوروبيين، في مظهر وحدة شكلي. لكن خلف الأبواب المغلقة، يبحث الناتو سيناريوهات إرسال قوات حفظ سلام أوروبية إلى أوكرانيا، بالتوازي مع عقود ضخمة لشراء أسلحة أمريكية لصالح كييف.
المعضلة تكمن في أن المساعدات العسكرية الأمريكية جُمّدت مؤقتًا في يوليو، بعد مراجعة قام بها كولبي لمخزونات الذخائر. وهو ما أعطى الأوروبيين انطباعًا بأن واشنطن غير راغبة في الالتزام طويل المدى، وتفضل أن تتحمل أوروبا كلفة تثبيت الاستقرار.
بروكسل تتحرك بحذر
الأمين العام للناتو، مارك روته، أطلع الدول الأعضاء على فحوى الاجتماعات، مؤكدًا أن النقاشات حول الضمانات الأمنية ما زالت في بدايتها. ومن المقرر أن يجتمع رؤساء أركان دفاع الدول الأعضاء عبر مؤتمر مرئي لبحث خطط عملية قابلة للتنفيذ.
لكن الخلاف الأبرز لا يزال حول توزيع الأعباء: واشنطن تضغط على الأوروبيين لتحمل مسؤولية القيادة الميدانية، فيما تخشى العواصم الأوروبية من أن يؤدي غياب الدعم الأمريكي المباشر إلى إضعاف قوة الردع في مواجهة موسكو.
وساطة مجمدة وآفاق غامضة
البيت الأبيض طرح بودابست كمكان محتمل للقاء بين زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أن دبلوماسيين أوروبيين يستبعدون تحقيق أي اختراق بالسرعة التي يطالب بها ترامب.
أحد المسؤولين الأوروبيين لخّص المأزق بقوله: “الخلاصة أن عملية السلام لا تتحرك بالسرعة التي يريدها ترامب… والعبء يتزايد على أوروبا”.
وإشارات البنتاغون الأخيرة توضح أن الولايات المتحدة بصدد إعادة صياغة التزاماتها الأمنية في أوكرانيا، بحيث تتحول من لاعب رئيسي إلى داعم ثانوي. هذا التحول يضع أوروبا أمام مسؤولية تاريخية: إما تعزيز قدراتها الدفاعية وتوحيد موقفها، أو مواجهة فراغ أمني قد تستغله موسكو لفرض وقائع جديدة على الأرض.