الاتحاد الأوروبي يسجّل أسوأ موسم حرائق غابات في تاريخه

دخل الاتحاد الأوروبي مرحلة غير مسبوقة من الكوارث البيئية هذا العام، بعد أن التهمت حرائق الغابات مساحة تفوق المليون هكتار للمرة الأولى منذ بدء تسجيل البيانات في عام 2006. ووفقًا لبيانات نظام معلومات حرائق الغابات الأوروبي (EFFIS) التي حلّلها موقع بوليتيكو، فقد وصلت المساحة المحترقة حتى يوم الخميس الماضي إلى 1.016 مليون هكتار، أي ما يعادل مساحة تفوق قبرص كاملةً، أو نحو ثلث مساحة بلجيكا.

موسم قياسي يفوق كوارث الأعوام السابقة

كان الرقم القياسي السابق قد سُجِّل في عام 2017 عندما بلغت المساحة المتضررة من الحرائق أقل من 988 ألف هكتار. لكن هذا العام تخطّى كل التوقعات، إذ ارتفعت المساحات المحروقة بشكل حاد منذ مطلع أغسطس/آب، حيث كانت قد بلغت في 5 أغسطس نحو 380 ألف هكتار فقط، قبل أن تتضاعف ثلاثة أضعاف خلال أسبوعين، في مؤشر على سرعة انتشار النيران واتساع رقعتها.

شبه الجزيرة الأيبيرية في عين العاصفة

تُعتبر شبه الجزيرة الأيبيرية – إسبانيا والبرتغال – الأكثر تضررًا من هذا الموسم الكارثي.

إسبانيا: تجاوزت الحرائق فيها حاجز 400 ألف هكتار، وهو أسوأ موسم منذ عام 1994 بحسب السجلات الوطنية.

البرتغال: التهمت الحرائق أكثر من 270 ألف هكتار، وهو ما يعادل نحو 3% من إجمالي مساحة البلاد، رغم صغر مساحتها مقارنة بجارتها إسبانيا.

وقد أدى الارتفاع الشديد في درجات الحرارة خلال الأسابيع الأخيرة إلى جفاف الغابات وتحويل مساحات شاسعة من الأراضي إلى ما يشبه “برميل بارود” جاهز للاشتعال عند أول شرارة.

الأسباب وراء تفاقم الكارثة

يرى الخبراء أن التغير المناخي يلعب دورًا محوريًا في زيادة تواتر موجات الحر والجفاف، مما يجعل أوروبا أكثر عرضة لمواسم حرائق مدمرة. لكنهم يشيرون أيضًا إلى عوامل محلية تفاقم الأزمة، أبرزها:

الإهمال في الأراضي الزراعية: تزايد مساحات الأراضي المهجورة ساهم في تراكم نباتات قابلة للاشتعال بكثافة.

قصور في إجراءات الوقاية: التحقيق الذي فتحه المدعي العام الإسباني المتخصص بالقضايا البيئية هذا الأسبوع يركز على غياب خطط وقاية كافية وفعالة من الحرائق، رغم تكرار الكوارث في الأعوام الأخيرة.

البنية التحتية المحدودة: عدم تجهيز بعض المناطق النائية بخطط إخلاء أو تجهيزات مكافحة سريعة جعل السيطرة على النيران أكثر صعوبة.

التأثيرات البيئية والمناخية

حرائق الغابات لا تقتصر على خسارة الأشجار والغطاء النباتي فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى:

إطلاق كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ما يعزز ظاهرة الاحتباس الحراري ويخلق حلقة مفرغة بين ارتفاع الحرارة وزيادة الحرائق.

تدمير التنوع البيولوجي، إذ تسببت النيران في القضاء على مواطن طبيعية لعدد من الحيوانات والنباتات المهددة.

تهديد صحة السكان، نتيجة تصاعد الدخان والغازات السامة التي غطّت أجواء مدن كبرى مثل لشبونة ومدريد، مما أدى إلى زيادة في حالات الاختناق وأمراض الجهاز التنفسي.

أبعاد اقتصادية واجتماعية

إلى جانب الخسائر البيئية، تعاني الدول الأوروبية المتضررة من:

خسائر زراعية فادحة تهدد الأمن الغذائي المحلي، خصوصًا في المحاصيل التي تعتمد على الغابات والمزارع الجبلية.

تدمير البنية التحتية الريفية بما في ذلك الطرق والمساكن والمزارع.

نزوح آلاف السكان من المناطق المتضررة، وهو ما يزيد من الضغوط على المدن القريبة.

وتُقدّر تكاليف مكافحة الحرائق وإعادة الإعمار بمليارات اليوروهات، في وقت تعاني فيه اقتصادات جنوب أوروبا من ضغوط متزايدة.

تحديات أمام الاتحاد الأوروبي

مع استمرار موسم الحرائق على أشده، تواجه بروكسل والدول الأعضاء تحديات كبرى:

تسريع خطط الوقاية من خلال تنظيف الأراضي المهملة وتعزيز أنظمة الإنذار المبكر.

توسيع التعاون الأوروبي في مجال معدات مكافحة الحرائق، حيث أثبتت الطائرات المتخصصة في إخماد الحرائق فعاليتها لكن أعدادها غير كافية.

تعزيز السياسات المناخية للحد من الانبعاثات الكربونية التي تساهم في تفاقم موجات الحر.

ويؤكد الخبراء أن الحرائق الحالية ليست مجرد كارثة طبيعية عابرة، بل هي إنذار متكرر بأن أوروبا تدخل حقبة جديدة من المخاطر المناخية تتطلب حلولًا استراتيجية عاجلة.

قد يعجبك ايضا