مصر تعزّز أمن سيناء وتحشد قواتها وسط تصاعد التوتر مع إسرائيل
كثّفت مصر إجراءاتها الأمنية والعسكرية في شبه جزيرة سيناء، تزامنًا مع تصعيد كلامي غير مسبوق من الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي وصف إسرائيل في قمة عربية–إسلامية بالدوحة هذا الأسبوع بأنها «العدو» محذّرًا من أنّ استمرار الوضع الراهن قد يفضي إلى إلغاء معاهدة السلام الموقعة عام 1979.
وقال السيسي في خطابه: «لا تدعوا جهود السلام التي بذلها من سبقونا تذهب سدىً. وإن فعلتم، فلن يُجدي الندم نفعًا».
ويأتي التشديد المصري على خلفية مخاوف متنامية في القاهرة من أن تؤدي السياسات الإسرائيلية في غزة إلى جعل الحياة «لا تُطاق»، بما يدفع مئات آلاف المدنيين إلى محاولة العبور نحو الأراضي المصرية.
وقد دأبت القيادة المصرية على التأكيد أنّ أي انتقال للفلسطينيين إلى مصر، طوعيًا كان أم قسريًا، خط أحمر لن يُسمح بتجاوزه.
وأثارت تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن إمكان خروج سكان غزة عبر رفح غضبًا رسميًا في القاهرة، حيث اعتبرت بيانات حكومية أن خطوة من هذا النوع ستكون بمثابة إعلان حرب.
سلسلة إجراءات ردعية
بحسب مصادر مطّلعة فإن احتمالات اندلاع حرب مباشرة بين مصر وإسرائيل تبقى منخفضة، لكن القاهرة شرعت في سلسلة إجراءات ردعية ورسائل قوة على الأرض.
وتشمل هذه الإجراءات، وفق المصادر، نشر نظام الدفاع الجوي الصيني المتطور HQ-9B في سيناء، وتعزيز القوات البرية في المناطق الحساسة، وسط تقارير إعلامية غير مؤكدة عن شبكات أنفاق جديدة، وحظائر طائرات محصنة، ومهابط قريبة من مسارح العمليات المحتملة.
ويتمركز آلاف من أبناء قبائل سيناء الذين سلّحهم الجيش لمحاربة الجماعات المتطرفة في الشمال على أهبة الاستعداد للقيام بأدوار مساندة إذا تدهورت الأوضاع.
كما كثفت الأجهزة المصرية تدريبات الأمن الداخلي في مدن سيناء وقناة السويس لاختبار جاهزية وحدات الشرطة الخاصة لمواجهة هجمات إرهابية محتملة أو محاولات استغلال الفوضى لإشعال اضطرابات داخلية.
بالتوازي، رفعت الحكومة مخزونات الطوارئ من الوقود والغذاء والدواء، وعملت على تأمين احتياطيات إضافية من القمح والدقيق وزيوت الطهي لتغطية احتياجات البلاد البالغ عدد سكانها نحو 107 ملايين نسمة في حال اتساع رقعة الأزمة.
مستوى مخاطر كبير
ميدانيًا، يقف الجنود المصريون على مسافات قصيرة من القوات الإسرائيلية المنتشرة داخل الشريط الحدودي على الجانب الفلسطيني، بعد سيطرة تل أبيب في مايو/أيار 2024 على ممر فيلادلفيا ومعبر رفح من جهة غزة. هذا التماس اللصيق يرفع مستوى المخاطر التكتيكية ويجعل أي حادث محدود قابلًا للتدحرج سريعًا.
دبلوماسيًا، طلبت القاهرة ضمانات أميركية لعدم تكرار هجمات إسرائيلية تستهدف قادة حماس المنفيين في المنطقة، في أعقاب ضربة الدوحة في 9 سبتمبر التي قُتل فيها ستة أشخاص على الأقل وأطاحت بأشهر من وساطات وقف إطلاق النار.
وتشير مصادر فلسطينية إلى أن القادة المستهدفين يترددون بانتظام على القاهرة ضمن مسار الوساطة الذي تقوده مصر بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة، ما يجعل سلامة الأراضي المصرية جزءًا لا يتجزأ من شروط استمرار المساعي السياسية.
على الجبهة الإعلامية، كثّفت منصات مملوكة للدولة وحسابات موالية للحكومة رسائل تعبئة وطنية تُبرز «جاهزية الجيش» وتُحذّر من تبعات أي اندفاع نحو الحرب، مذكّرة بقرب تل أبيب من الحدود المصرية وبأن أي صدام اليوم سيكون أشدّ فتكًا من حرب 1973 نظرًا لطبيعة التسليح والبيئة الإقليمية الحالية.
في المحصلة، تبدو القاهرة بصدد موازنة دقيقة: تصعيدٌ محسوب في لهجة الردع وتدابير ميدانية تُظهر القدرة على حماية الحدود ومنع التهجير القسري من غزة، من دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة تُهدّد الأمن القومي وتنسف مكاسب عقود من السلام البارد.
والأسابيع المقبلة ستكشف ما إذا كانت الرسائل المصرية ستكبح الاندفاعات الإسرائيلية على حدود غزة، وما إذا كانت الضمانات الأميركية قادرة على تهدئة المخاوف، أم أنّ العلاقة بين «الجيران والأعداء السابقين» تتجه فعلاً إلى تصادمٍ يتجاوز خطوط معاهدة 1979.