مقتل شخصين بإطلاق الشرطة النار على متظاهرين في المغرب
تصاعدت احتجاجات شبابية نادرة الاتساع في المغرب إلى مستوى دموي، بعدما أعلنت السلطات مقتل شخصين في بلدة لقلعة قرب أكادير إثر إطلاق الشرطة النار “دفاعًا عن النفس” خلال محاولة متظاهرين الاستيلاء على أسلحة عناصر الدرك، وفق رواية رسمية.
وتعد هذه أولى الوفيات في موجة غضب عمّت مدنًا عدة، مع دخول الحراك ليلته الخامسة على التوالي.
وقد انطلقت الاحتجاجات يوم السبت الماضي من تجمعات صغيرة نظّمها ناشطون شبان عبر تيك توك وديسكورد وإنستغرام تحت مسمى “GenZ 212”، قبل أن تتسع لتشمل مدنًا وبلدات في الشرق والجنوب ومدنًا كبرى مثل سلا وطنجة ومراكش.
ورفعت الهتافات مطالب بتحسين التعليم والصحة ومكافحة الفساد، مع مقارنة لافتة بين مليارات تُنفق للتحضير لكأس العالم 2030 وحالة المدارس والمستشفيات العمومية، وهو ما يفسّر الطابع الاجتماعي المباشر للشعارات.
وتفاوت طابع التحركات بين السلمي والعنيف؛ فقد سجلت سلا وإنزكان وآيت عميرة وأخرى أعمال حرق مركبات ورشق بالحجارة، بينما شهدت الدار البيضاء ووجدة وتازة تظاهرات أكثر هدوءًا في بعض الليالي.
وأظهرت الصور ومقاطع الفيديو المتداولة سيارات أمن محترقة وعمليات كرّ وفرّ بين متظاهرين وقوات الأمن.
حصيلة أمنية واعتقالات واسعة
قالت وزارة الداخلية في أول بيان علني منذ بداية الاحتجاجات إن التحركات “غير مرخّصة” وتم التعامل معها وفق القانون، معلنة اعتقال 409 أشخاص على الأقل، وإصابة 263 من عناصر الأمن و23 مدنيًا، إضافة إلى أضرار طالت أكثر من 160 مركبة أمنية وخاصة.
وأكدت أن من يثبت تورطه في العنف أو التخريب سيُحال إلى القضاء. هذه أوسع اضطرابات تشهدها البلاد منذ حراك الريف 2016–2017، بحسب تقديرات إعلامية دولية.
في واقعة لقلعة، أوضحت السلطات المحلية أن إطلاق النار تم بعدما حاولت “مجموعات” اقتحام مركز للدرك ومحاولة الاستيلاء على أسلحة، وهو ما دفع العناصر لاستخدام السلاح الوظيفي في “الدفاع الشرعي عن النفس”.
ولم تقدّم الداخلية تفاصيل إضافية حول هوية القتيلين أو نتائج التحقيقات الأولية. تقارير وكالات أنباء أكدت مقتل شخصين في البلدة ذاتها بالملابسات المذكورة.
“جيل Z” بين نفي العنف وتنامي الدعم الشعبي
القائمون على صفحات “GenZ 212” نفوا الدعوة للعنف، وقالوا إن غايتهم الضغط السلمي من أجل خدمات عمومية لائقة ومحاسبة حكومية.
بالتوازي، عبّرت شخصيات عامة – من بينها نجم المنتخب ياسين بونو ومغنّي الراب “إلغراندي طوطو” – عن تعاطف متفاوت مع مطالب المحتجين، ما أضفى زخمًا رمزيًا على الحراك.
من جهتها الحكومة تنفي إعطاء الأولوية لتحضيرات كأس العالم على حساب البنية التحتية الاجتماعية، وتقول إن اختلالات قطاع الصحة “موروثة” عن حكومات سابقة.
وفي محاولة لامتصاص الغضب، أعلنت الأغلبية الحاكمة اجتماعًا برئاسة رئيس الوزراء عزيز أخنوش لبحث إصلاح المستشفيات والرعاية الصحية، بينما يستعد البلد أيضًا لاستضافة كأس أمم أفريقيا لاحقًا هذا العام. غير أن مؤشرات عدم الرضا الشعبي تعكس فجوة ثقة متزايدة بين خطاب الإصلاح وملامسة التغيير على الأرض.
دلالات سياسية وأمنية
يقرأ مراقبون المشهد بوصفه “اختبارًا مزدوجًا”: أمنيًا، لقدرة الأجهزة على احتواء أعمال العنف من دون توسيع دائرة الإصابات؛ وسياسيًا، لقدرة السلطة التنفيذية على تقديم خارطة طريق اجتماعية ملموسة وسريعة الإيقاع.
وتشير التغطيات الدولية إلى أن معدل بطالة الشباب وضعف جودة الخدمات وتكاليف المعيشة عوامل تغذّي السخط، وأن الفضاءات الرقمية سهّلت تعبئة لا مركزية يصعب تفكيكها أساليبُ الضبط التقليدية.
وبحسب مراقبين فإن المعادلة الآن حسّاسة وأيّ تشدد أمني غير منضبط قد يعمّق الاحتقان ويُحوّل التعاطف العام إلى موجة أوسع، فيما سيبدو أيّ تراجع حكومي بلا بدائل تمويلية وإصلاحية سريعة مجرد تنازل مؤقّت.
ويُرجّح أن تواصل السلطات سياسة “الاحتواء الحازم” مقرونة بإشارات سياسية نحو قطاعي الصحة والتعليم، وربما حزم تمويل عاجلة للمستشفيات والمدارس في المناطق الأكثر توترًا.
لكن استمرار الاحتجاجات، مع سقوط قتلى، يرفع الكلفة السياسية لأي تأخير في المعالجة الاجتماعية العميقة. وفي ظل ترقّب استحقاقات رياضية وتنظيمية كبرى، تبدو استعادة الثقة أولوية لا تقل إلحاحًا عن استعادة النظام العام.