مشروع قانون إيطالي مثير للجدل: بين “حماية الهوية” وتقييد الحريات الدينية

تتجه الحكومة الإيطالية، بقيادة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، إلى فتح فصل جديد في الجدل الأوروبي حول الهوية والدين والاندماج، بعد أن اقترح حزبها اليميني المتشدد “إخوة إيطاليا” مشروع قانون يفرض حظرًا شاملًا على تغطية الوجه في الأماكن العامة وينظّم تمويل المساجد، في خطوة وُصفت بأنها استنساخ للنموذج الفرنسي في إدارة الشأن الإسلامي.

ويعيش في إيطاليا نحو 2.3 مليون مسلم (قرابة 4% من السكان)، معظمهم من أصول مغربية وألبانية ومصرية وباكستانية، يعيشون في ظل فراغ قانوني نسبي بشأن الاعتراف الرسمي بالإسلام كدينٍ معترف به.

وقد سمحت هذه الثغرة وفق المشرّعين اليمينيين، بانتشار “جماعات مموّلة من الخارج” – وهي الحجة نفسها التي استخدمتها باريس عام 2011 حين حظرت النقاب.

ويقدّم الحزب الحاكم القانون الجديد على أنه “قانون مكافحة الانفصالية الإسلامية”، ويؤكد أنه لا يستهدف الدين الإسلامي في ذاته، بل يسعى إلى “حماية الهوية الإيطالية” و”حظر التمويل الأجنبي للمساجد”، إضافة إلى “تعزيز الأمن العام وحرية المرأة”.

وصرح النائب جالياتسو بيغنامي، أحد أبرز مهندسي المشروع، بأن الإجراءات ستشمل عقوبات على الزواج القسري والتضييق على أي نشاط ديني يُستخدم “غطاءً لممارسات غير متوافقة مع الدستور”.

أما النائب أندريا ديلماسترو، فقال بوضوح: “الحرية الدينية مقدسة، ولكن يجب ممارستها في وضح النهار، مع احترام قيم الجمهورية”.

في المقابل، يحذر مراقبون من أن هذه اللغة المزدوجة — التي تجمع بين مفردات “الحرية” و”الهوية” — تخفي نوايا تقييدية تستهدف التعبيرات الدينية الإسلامية تحت ذريعة الأمن والاندماج.

توظيف القضايا الفردية كذريعة تشريعية

جاء طرح القانون في أعقاب تغطية إعلامية مكثفة لقضيتين أحدثتا صدمة للرأي العام الإيطالي: الأولى لفتاة بنغلاديشية في ريميني أُجبرت على الزواج من رجل اختاره والداها، والثانية مقتل المراهق الباكستاني سمان عباس عام 2021 في جريمة “بدافع الشرف”.

وقد استخدمت شخصيات من حزب ميلوني هاتين القضيتين لتأكيد الحاجة إلى “تشريع يحمي الفتيات من ثقافة العنف والوصاية الذكورية”، رغم أن المحللين يرون أن تعميم مثل هذه الحوادث النادرة على مجتمع بأكمله يُشكل وصمًا جماعيًا للمسلمين في البلاد.

من فرنسا إلى روما: تصدير النموذج العلماني الصارم

تستعير ميلوني وحزبها الكثير من الخطاب الفرنسي حول “العلمنة الجمهورية”. فقد كانت باريس أول من حظر النقاب في الأماكن العامة عام 2011، تبعتها بلجيكا والدنمارك وسويسرا.

ويؤكد النائب ديلماسترو أن روما تستلهم “العقلانية الفرنسية”، لكنها “ستضيف عليها ضمانات للسيادة الوطنية ضد التمويل الأجنبي”.

غير أن إيطاليا تختلف جذريًا عن فرنسا في بنيتها الدينية والاجتماعية: فالدولة الإيطالية ما تزال تحتفظ بعلاقة خاصة مع الكنيسة الكاثوليكية، فيما يُنظر إلى الإسلام كدين “وافد” لا يحظى بوضع قانوني متكافئ. لذلك يخشى حقوقيون أن يكون القانون الجديد تمييزًا مؤسسياً يُجرّد المسلمين من فضاء الحرية الذي تتمتع به الطوائف الأخرى.

الهوية والسياسة: استخدام الدين وقودًا انتخابيًا

من الناحية السياسية، يأتي المشروع في سياق تصاعد اليمين الشعبوي في أوروبا واستغلاله ملفات الهجرة والهوية لتعزيز الشعبية.

فميلوني، التي تُقدّم نفسها حامية “إيطاليا المسيحية الأوروبية”، تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية متصاعدة، وتحتاج إلى قضية رمزية تُعيد شدّ قواعدها المحافظة.

ويعيد الحديث عن “الخطر الإسلامي” إنتاج خطاب الخوف الذي تستخدمه الأحزاب اليمينية عبر القارة لتبرير تشريعات استبعادية تستهدف الأقليات.

وهنا، يُخشى أن يتحول مشروع القانون إلى أداة سياسية أكثر منه سياسة أمنية، خصوصًا في بلد لم يسجّل سوى حوادث محدودة للتطرف الإسلامي مقارنة بجيرانه الأوروبيين.

وقد حذرت منظمات إسلامية مثل “اتحاد الجاليات الإسلامية في إيطاليا” من أن القانون سيزيد التمييز والمراقبة المفرطة للمساجد، ويقوّض الثقة بين المسلمين والدولة. ويرى علماء اجتماع أن هذه السياسات “تغذي الإقصاء بدل الاندماج”، لأنها ترسل رسالة مفادها أن الإسلام ذاته “خطر يجب ترويضه”.

كما أن حظر غطاء الوجه سيؤثر بشكل مباشر على النساء المسلمات اللاتي يلتزمن بالنقاب أو الحجاب الكامل، في خطوة تُناقض الخطاب الحكومي عن “حرية المرأة”. فإجبار المرأة على نزع غطائها لا يقل قسرًا عن إجبارها على ارتدائه.

قد يعجبك ايضا