بوليتيكو: قطر تتحول إلى “الحليف الذي لا غنى عنه” لترامب

تحولت قطر، الدولة الخليجية الصغيرة والغنية بالطاقة، إلى واحدة من أقرب الحلفاء وأكثرهم تأثيرًا في دوائر صنع القرار بواشنطن خلال الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد سنوات من العمل الدبلوماسي المكثف والاستثمار السياسي الهادئ الذي غيّر مكانتها من “خصم” إلى “شريك لا يمكن الاستغناء عنه”.

فعندما توقفت طائرة ترامب الرئاسية في قاعدة العديد الجوية الأسبوع الماضي، كان الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ورئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بانتظاره في استقبال غير مسبوق.

وقال مصدر مطلع إن “الأمير كسر البروتوكول احترامًا لترامب لأنه يدرك قيمة العلاقة”، في إشارة إلى تحول عميق في العلاقات الثنائية منذ الأزمة الخليجية عام 2017.

في تلك الأزمة، دعم ترامب بدايةً الموقف السعودي الإماراتي ضد الدوحة، لكن قطر أعادت رسم علاقاتها عبر استراتيجية متعددة المسارات: توظيف جماعات ضغط مقربة من البيت الأبيض، الاستثمار في مشاريع ترامب، وتقديم نفسها كوسيط لا غنى عنه في الملفات الإقليمية المعقدة.

كما أهدت واشنطن طائرة نفاثة من طراز بوينغ 747-8 قيمتها 200 مليون دولار، يُتوقع استخدامها مستقبلاً كنسخة من “إير فورس وان”.

نفوذ دبلوماسي غير مسبوق

بعد عشرة أشهر من ولاية ترامب الثانية، أصبحت قطر مهندسًا رئيسيًا وراء بعض أكبر إنجازاته الخارجية. فقد لعبت دورًا أساسيًا في اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، الذي وصفه ترامب بأنه “أعظم إنجاز دبلوماسي في عهده”.

ووفقًا لمصادر مطلعة، ساعد مسؤولون قطريون في صياغة “خطة ترامب للسلام” المؤلفة من 21 بندًا، وشارك مبعوث قطري في اجتماعات سرية جمعت جاريد كوشنر وستيف ويتكوف بقيادات من حماس، مهدت الطريق لوقف إطلاق النار.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي إن “قطر كانت جزءًا أساسيًا من نجاح مفاوضات إسرائيل-حماس، وقدّمت ملاحظات مهمة على خطة الرئيس التاريخية للسلام”.

لكن دور قطر لم يقتصر على غزة. فقد أصبحت الدوحة مركزًا محوريًا لتبادل المعلومات الاستخبارية الأمريكية، وساهمت في التنسيق مع إسرائيل خلال الحرب القصيرة ضد إيران، ولعبت أدوار وساطة فعالة في القوقاز وإفريقيا والبحر الأحمر، بما في ذلك المساعدة في العمليات الأمريكية ضد الحوثيين.

من الخصومة إلى الشراكة

عندما عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فوّض قطر رسميًا باستئناف وساطاتها في مناطق النزاع، بعد أن جُمّدت خلال إدارة بايدن لصالح جهود فرنسية فاشلة. ومن نتائج ذلك اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان، الذي قدّمه ترامب لاحقًا كدليل على أنه “ينهي الحروب لا يشعلها”.

ومع أن بعض رموز جناح “ماغا” في الحزب الجمهوري — مثل ستيف بانون ولورا لومر — انتقدوا تنامي نفوذ قطر واتهموها بدعم حركات إسلامية، تجاهل ترامب تلك التحفظات.

وقال مسؤول في البيت الأبيض: “لقاؤه الأخير بالأمير ورئيس الوزراء على متن الطائرة الرئاسية يخبرك بكل ما تحتاج أن تعرفه”.

قطر تثبّت هويتها كوسيط عالمي

أكد رئيس الوزراء القطري في كلمة أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك أن “الوساطة جزء من هوية قطر ودستورها”. وأضاف أن بلاده باتت “وسيطًا عالميًا لا إقليميًا فقط”، وأن أولويته “تعزيز الشراكات مع واشنطن في مجالات الدفاع والطاقة والتجارة”.

وكانت قطر من أوائل الدول التي استقبلت ترامب في زيارته الخارجية الأولى عام 2017، حين وقّعت اتفاقات استثمارية بمليارات الدولارات.

ومنذ ذلك الوقت، كثّفت الدوحة استثماراتها في الولايات المتحدة، واستعانت بشخصيات مقرّبة من ترامب لتقوية علاقاتها في واشنطن.

لحظة اختبار للعلاقة

لكن التحالف الجديد واجه اختبارًا حادًا حين قُتل عدد من مسؤولي حماس في الدوحة بغارة إسرائيلية أثناء مشاركتهم في مفاوضات وقف إطلاق النار.

وأبدت القيادة القطرية غضبًا من انتهاك سيادتها، وأبلغت واشنطن أنها لن تواصل الوساطة ما لم تتلقَ اعتذارًا إسرائيليًا وضمانة أمنية أمريكية.

وبحسب مصادر مطلعة، رتب البيت الأبيض مكالمة بين نتنياهو والأمير تميم في حضور ترامب، قرأ خلالها نتنياهو اعتذارًا صاغته واشنطن والدوحة معًا. وبعدها، أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا يتعهد فيه بالدفاع عن قطر ضد أي هجوم، في خطوة شبهها مراقبون بضمانة “المادة الخامسة” في حلف الناتو.

وقال مسؤول قطري كبير إن “الخطوة تجاوزت كل توقعاتنا… لم نتوقع أن يجعل ترامب التعهد علنيًا، لكنها كانت إشارة واضحة إلى مكانة قطر الجديدة في البيت الأبيض”.

وهكذا، بعد عقدٍ من التحديات، أصبحت قطر الشريك الأقرب للرئيس الأمريكي، واللاعب الذي لا غنى عنه في استراتيجياته الدبلوماسية والاقتصادية في الشرق الأوسط — في تحوّل يُظهر كيف نجحت الدوحة في الجمع بين البراغماتية السياسية والحنكة الاستثمارية لتصبح “الحليف الذهبي” في عالم ترامب.

قد يعجبك ايضا