ترامب يستقبل ولي العهد السعودي: أولويات خارجية على حساب الداخل الأميركي
قالت صحيفة بوليتكو الأميركية إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في واشنطن اليوم الثلاثاء متجاهلًا قاعدته الشعبية التي يقول بعض قادتها انه منشغل بالخارج أكثر من الداخل.
وأشارت الصحيفة إلى أن زيارة الأمير السعودي تأتي وسط تركيز مكثف من الإدارة الأميركية على الشؤون الخارجية، وهو ما اعتبره البعض إهمالاً للقضايا الداخلية التي طالما رفع ترامب شعارات بشأنها في حملاته الانتخابية، خصوصًا شعار “أميركا أولاً”.
وبحسب مصادر مطلعة، ستبحث الزيارة اتفاقًا أمنيًا ثنائيًا يضمن الدفاع عن السعودية في حال تعرضها لأي هجوم، في نموذج مشابه لحلف الناتو، بعد أن أصدر ترامب مرسومًا متشابهًا مع قطر في سبتمبر الماضي.
ويعكس هذا النهج التوسعي في السياسة الخارجية الرغبة الأميركية في تعزيز نفوذها في منطقة الخليج، مقابل تراجع الاهتمام بالقضايا المحلية في الولايات المتحدة.
وتركّز اللقاء أيضًا على أبعاد اقتصادية واستثمارية، حيث من المتوقع أن يعلن السعوديون عن حزمة استثمارات جديدة في الولايات المتحدة، إضافة إلى التعهدات السابقة التي بلغت 600 مليار دولار هذا العام. وتأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية ترامب لتعظيم النفوذ الاقتصادي والسياسي للمملكة في المنطقة، مقابل تعزيز مصالحه الخاصة.
وفيما يتعلق بمبادرة السلام في الشرق الأوسط، جدد ترامب التأكيد على أهمية انضمام السعودية إلى اتفاقات أبراهام لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلا أن ولي العهد رفض المضي قدمًا في هذا المسار بسبب الوضع القائم في غزة، ما يعكس تعقيدات السياسة الإقليمية وقيود الشركاء العرب.
وتشمل محادثات الزيارة أيضًا إمكانية استيراد السعودية لرقائق الذكاء الاصطناعي الأميركية، والدعم المحتمل لبرنامجها النووي، إضافة إلى شراء طائرات إف-35 الأميركية المتقدمة. هذه الاتفاقيات المحتملة تمنح ترامب أدوات ضغط إضافية على الرياض لدفعها نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتقليص تعاونها الدفاعي مع الصين.
ويُظهر مسار العلاقات بين ترامب وولي العهد حجم التنسيق المتواصل بين الطرفين، إذ يتواصلان أسبوعيًا هاتفيًا، ويعكس ذلك تحالفًا شخصيًا وسياسيًا متينًا، يعزز النفوذ السعودي في المنطقة، لكنه يطرح تساؤلات حول توازن الأولويات الأميركية، خصوصًا أمام النقد الداخلي من بعض قادة “ماغا” الذين يرون أن تركيز ترامب على الخارج يأتي على حساب معالجة المشكلات المحلية.
ووفق مسؤولين أميركيين، فإن الرياض تسعى إلى الحصول على اتفاق دفاعي رسمي مماثل لما حصلت عليه قطر، بحيث يتم التوثيق من الطرفين، خلاف المراسيم التنفيذية التي يمكن للرئيس المقبل إلغاؤها بسهولة.
كما يعتمد ولي العهد السعودي على جذب الاستثمارات الأميركية للمشاريع السعودية، خاصة مع تراجع أرباح أرامكو وأسعار النفط المنخفضة وتأثير أسعار الفائدة المرتفعة على صندوق الاستثمارات العامة.
ويُبرز هذا التركيز على العلاقات الخارجية نموذجًا جديدًا في السياسة الأميركية، يرتكز على الدبلوماسية الاقتصادية والأمنية بدلًا من التحالفات التقليدية المبنية على القيم الديمقراطية المشتركة. وقد أسهم هذا النهج في إحراز تقدم في بعض الملفات الإقليمية، مثل اتفاق وقف إطلاق النار الهش في غزة، بالتعاون مع قطر.
إلا أن هذا التوجه أثار قلق بعض الشخصيات البارزة في حركة “ماغا”، مثل النائبة مارجوري تايلور غرين والمستشار السابق ستيف بانون، اللذين دعوا ترامب إلى إعادة تركيزه على القضايا الداخلية بدلًا من التفاوض مع قادة الدول الأخرى، معتبرين أن السياسة الخارجية المكثفة تتناقض مع وعوده الانتخابية وخطاب “أميركا أولاً”.
ورد ترامب على هذه الانتقادات بشدة، وهاجم غرين وهدد بسحب دعمه السياسي منها، مما يعكس التوتر المتزايد بين البيت الأبيض وقاعدته الشعبية التقليدية.
في المجمل، تعكس زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن سياسة أميركية جديدة تعتمد على التوازن بين النفوذ الاقتصادي والاستراتيجي في الخليج، على حساب التركيز على الأولويات المحلية في الداخل الأميركي، وهو ما يفتح نقاشًا واسعًا حول التزام الإدارة بمبادئ “أميركا أولاً” ومدى تأثير التحالفات الإقليمية على السياسة الداخلية.