واشنطن تهاجم أوروبا بسبب استبعاد الصناعة الأمريكية من خطط التسلح والدفاع
وجّه نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لاندو انتقادًا مباشرًا وحادًا للحلفاء الأوروبيين داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، متهمًا إياهم بإعطاء الأولوية لصناعاتهم الدفاعية الوطنية على حساب الشركات الأميركية، في خطوة تعكس توترًا متزايدًا داخل التحالف بشأن مستقبل التعاون العسكري وسلاسل التوريد الدفاعية.
وجاءت تصريحات لاندو خلال اجتماع وزراء خارجية الناتو في بروكسل، الذي غاب عنه رئيسه ماركو روبيو. وبحسب ثلاثة دبلوماسيين حضروا الاجتماع، تحدث لاندو أولًا في الجلسة المغلقة موجّهًا تحذيرًا واضحًا: على الحكومات الأوروبية ألا «تمارس الترهيب» على شركات السلاح الأميركية أو تدفعها بشكل غير مباشر خارج جهود إعادة تسليح أوروبا.
وقال الدبلوماسيون إن لاندو غادر الاجتماع سريعًا لحضور التزامات أخرى، وهو أمر وصفوه بأنه ليس غريبًا في الاجتماعات الوزارية. ومع ذلك، تركت كلمته القصيرة أثرًا قويًا، ما دفع وزارة الخارجية الأميركية لاحقًا لتوضيح الموقف عبر بيان مقتضب قالت فيه إن نائب الوزير ركّز على رسالتين رئيسيتين:
أولًا، ضرورة أن تترجم أوروبا تعهداتها بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى قدرات حقيقية؛ وثانيًا، أن “السياسات الحمائية والإقصائية” الأوروبية التي تحد من دخول الشركات الأميركية تعتبر تهديدًا مباشرًا للدفاع المشترك للحلف.
وتأتي انتقادات لاندو في وقت تعمل فيه المفوضية الأوروبية على تعزيز صناعة الدفاع الأوروبية بعد عقود من الاعتماد الكبير على القدرات الأميركية.
وقد تزايد هذا التوجّه مع التحذيرات الألمانية المتكررة من إمكانية قيام روسيا بعمل عسكري ضد أوروبا خلال السنوات المقبلة.
وبينما يرى الأوروبيون ضرورة بناء قاعدة دفاعية محلية قوية، فإن واشنطن تعتبر أن بعض البرامج الأوروبية تُقصي الشركات الأميركية بشكل غير عادل.
ومن أبرز هذه البرامج برنامج SAFE الأوروبي، الذي يقدم قروضًا بقيمة 150 مليار يورو مقابل الأسلحة، لكنه يفرض سقفًا على مشاركة الدول غير الأوروبية، بما في ذلك الولايات المتحدة، بحيث لا تتجاوز 35% من قيمة أي نظام تسليحي.
ووُصفت هذه السياسة في واشنطن بأنها «تمييزية» و«تضرّ بتماسك الحلف»، وهو ما دفع لاندو إلى مهاجمتها علنًا رغم حساسية التوقيت.
وتأتي تصريحات لاندو ضمن سلسلة من الانتقادات والضغوط التي تعتمدها إدارة الرئيس دونالد ترامب تجاه الاتحاد الأوروبي. فقد سبق لترامب أن اتهم بروكسل بمعاملة الولايات المتحدة “بشكل غير عادل” تجاريًا، وهدد مرارًا بفرض تعريفات جمركية واسعة إذا لم تقبل أوروبا بصفقات تجارية تُوصف بأنها مجحفة.
كما شكك ترامب مرارًا بجدوى الناتو، رغم أنه أشاد لاحقًا بزيادة الدول الأعضاء في الإنفاق الدفاعي ووضع هدف 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035.
وفي الصيف الماضي، أثار لاندو الجدل حين نشر تعليقًا على وسائل التواصل الاجتماعي — قبل أن يحذفه — قال فيه إن “حلف شمال الأطلسي لا يزال حلًا يبحث عن مشكلة”.
ويأتي خطاب لاندو في وقت أعلنت فيه دول أوروبية، مثل ألمانيا وبولندا، عن مساهمات مالية جديدة بملايين الدولارات لبرنامج تدعمه الناتو، يهدف لشراء أسلحة أميركية لإرسالها إلى أوكرانيا.
وقد قال الأمين العام للناتو مارك روته إن أوروبا وكندا تعهّدتا مؤخرًا بتقديم 4 مليارات دولار لهذا البرنامج، وهو ما يجعل الانتقادات الأميركية أكثر حساسية.
ورغم الانزعاج الأوروبي المتوقّع من تصريحات لاندو، إلا أن بعض الدبلوماسيين داخل الحلف رأوا أن الرسالة الأميركية ليست مفاجِئة. إذ قال أحد دبلوماسيي الناتو: “لا أحد صُدم من القول إن أوروبا يجب ألا تكون حمائية… ولكن هل تتوقعون اللباقة والدقة من واشنطن؟”.
أما حلف الناتو نفسه فقد رفض التعليق على الحادثة، في مؤشر على رغبة الحلف في عدم تأجيج توتر موجود أصلًا بين الجانبين.
وبينما تستمر أوروبا في بناء استقلالها الدفاعي، وتتمسك واشنطن بضرورة الحفاظ على سوق مفتوحة أمام صناعتها، يبدو أن العلاقة الدفاعية الأطلسية تتجه نحو مرحلة أكثر تعقيدًا وتنافسًا بين الشريكين التقليديين.