خلافات داخل إدارة ترامب حول الصين تؤخر صدور وثيقتين أساسيتين للأمن القومي
تشهد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تأخيرًا ملحوظًا في إصدار أهم وثيقتين استراتيجيتين تحددان ملامح الأمن القومي والدفاع للولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة، نتيجة خلافات حادة حول كيفية التعامل مع الصين، وفق ما أفادت به ثلاثة مصادر مطّلعة على النقاشات الداخلية.
وكان من المفترض نشر استراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع القومي في وقت مبكر من الخريف، إلا أن الوثيقتين خضعتا لجولات إضافية من المراجعات بعد اعتراضات وزير الخزانة سكوت بيسنت، ما أدى إلى تأجيلهما لأسابيع.
وبحسب المصادر، فإن العمل على الوثيقتين وصل إلى مراحل شبه نهائية، ومن المتوقع صدورهما خلال ديسمبر/كانون الأول الجاري، الأمر الذي أكده مصدران مختلفان بالنسبة لكل وثيقة.
لكن حساسية ملف الصين – وخاصة المفاوضات التجارية الجارية مع بكين – دفعت بيسنت إلى المطالبة بتخفيف اللغة التي تتناول الأنشطة الصينية، إضافة إلى رغبته برفع أهمية نصف الكرة الغربي في الأولويات الاستراتيجية، مقارنة بما كان عليه في الإدارات السابقة.
وتشكل الصين محورًا رئيسيًا في استراتيجية الأمن القومي الأميركية منذ سنوات، لكن إدارة ترامب تسعى إلى إعادة صياغة موقع الصين في هذه الاستراتيجية، بما يوازن بين لهجة الردع العسكري وبين الحفاظ على قنوات التعاون التجاري.
ورغم أن البنتاغون يعتبر الصين المنافس العسكري الأكبر لواشنطن، فإن وزارة الخزانة تنظر إلى الملف من زاوية اقتصادية، وتخشى أن تؤدي لهجة متشددة إلى عرقلة المحادثات الحساسة الجارية بشأن التعريفات والتجارة.
وأكدت المصادر أن بيسنت مارس ضغوطًا لتعديل فقرات تتعلق بالتحذير من الأنشطة العسكرية والاستخباراتية الصينية، لكن لم يعرف على وجه الدقة حجم التغييرات التي أُدخلت استجابة لطلبه.
ويستلزم أي تعديل في إحدى الوثيقتين إجراء تعديلات موازية في الوثيقة الأخرى، حرصًا على اتساق الرسالة الاستراتيجية للإدارة.
ونفت وزارة الخزانة الأمريكية وجود خلافات عميقة، مؤكدة أن بيسنت “متفق تمامًا مع الرئيس ترامب بشأن إدارة العلاقة مع الصين”.
لكن تصريحات مسؤولي الإدارة وتصاعد التحركات الأميركية في المحيط الهادئ تشير إلى أن واشنطن تحاول رسم مقاربة مزدوجة: الضغط على بكين كخصم استراتيجي، مع الحفاظ على التعاون في ملفات اقتصادية محددة.
وبالتزامن مع الخلاف حول صياغة الوثيقتين، تواصل الإدارة خطوات عملية لمواجهة التحدي الصيني.
فمن المقرر أن يلقي وزير الدفاع بيت هيجسيث خطابًا مهمًا هذا الأسبوع حول جهود البنتاغون لتسريع إنتاج الأسلحة وتطوير الجيل التالي من القدرات الدفاعية، بهدف الرد على التوسع العسكري الصيني في المحيطين الهندي والهادئ.
وفي الوقت نفسه، يجري هيجسيث محادثات مع نظيره الصيني الأدميرال دونغ جون لإنشاء آلية اتصال عسكري مباشر بين البلدين، تهدف إلى منع وقوع حوادث أو تصعيد غير مقصود.
وتأتي هذه الخطوة بعد سلسلة مواجهات بين بكين والفلبين في بحر الصين الجنوبي، حيث تتزايد احتمالات الاحتكاك العسكري في ظل النزاع على الجزر والشعاب المرجانية.
وتمثل الوثائق المرتقبة أول تحديث لاستراتيجية الأمن القومي منذ إصدار إدارة بايدن استراتيجيتها عام 2022، التي ركزت على منافسة القوى الكبرى، وتعزيز الصناعة المحلية، والتعامل مع تغير المناخ كتهديد أمني شامل.
لكن النسخة الجديدة في عهد ترامب ستختلف بصورة واضحة؛ إذ ستُبرز أهمية نصف الكرة الغربي – قضايا الهجرة، عصابات المخدرات، والعلاقات مع أمريكا اللاتينية – باعتبارها جزءًا من الأمن القومي الداخلي.
أما استراتيجية الدفاع القومي الجديدة فستؤكد بدورها على حماية الأراضي الأميركية وتطوير القدرات في المنطقة الغربية من العالم، وهو ما أثار قلقًا بين بعض القيادات العسكرية التي تخشى أن يؤدي ذلك إلى تقليص الوجود الأميركي في أوروبا وآسيا، أو إعادة نشر القوات على نحو مفاجئ.
وبعد نشر الوثيقتين، من المتوقع أن تُصدر الإدارة مراجعة شاملة لـ”الوضع العالمي للقوات الأميركية”، وهي مراجعة تحدد كيفية توزيع القوات والقدرات العسكرية حول العالم.
وينتظر هذه المراجعة حلفاء أساسيون مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية، حيث تتمركز عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين، وقد يطالهم إعادة تموضع أو تخفيض في المدى القريب.